في قلب الصين الرمزي بميدان تيانانمين (السلام السماوي) بوسط بكين يحيط به العديد من المباني الرائعة ذات الطرازين الاشتراكي والإمبراطوري ، تشكل المئات من المباني الحديثة المرتفعة حاضر ومستقبل العاصمة الصينية. فخلف "قاعة الشعب الكبرى" مباشرة توجد القبة المنخفضة مميزة الشكل للمسرح الوطني الصيني الذي صممه المهندس المعماري الفرنسي بول أندرو الذي يقال إنه يضم بداخله أضخم قوس في العالم والذي يمتد بطول 212 متراً أسفل القبة التي تزن 6475 طناً.
ويضم مجمع المسرح ثلاث صالات عرض رئيسية ، وهي دار للأوبرا تضم 2400 مقعد وقاعة للحفلات الموسيقية بها 2000 مقعد ومسرح يتسع لألف متفرج. ويختلف الكثيرون حول الشكل الخارجي للمسرح الوطني ، هل هو على شكل طبق طائر، أم قنديل بحر عملاق أم شيء آخر؟
ويصف معظم سكان بكين مبنى المسرح الوطني بأنه "البيضة" أو "بيضة البطة" على الرغم من أنه لا يوجد أحد متأكد من أنها بيضة بطة على وجه التحديد. و المسرح هو أحد الأماكن المرشحة لأن تصبح رمزاً لبكين في مطلع القرن الحادي والعشرين، وينافسه في ذلك مبنى مطار بكين الجديد ومشاريع أولمبية متميزة مثل الملعب الوطني "عش الطائر" الذي يسع 91 ألف متفرج ومجمع الألعاب المائية "مكعب الماء" ذو الغشاء الأزرق.وهناك مبنى رائع آخر أوشك بناؤه على الاكتمال في بكين وهو "برج التلفزيون المركزي" الصيني الذي أكسبته جدرانه المبنية بزاوية وهيكله الملتوي لقب "السروال".
ومن المرجح أن سكان بكين يطلقون وصف "السروال" على المبنى من باب السخرية ، في تجسيد للمشاعر المتناقضة التي تنتاب الكثير من الناس العاديين في بكين تجاه التطوير السريع للمدينة على يد الحكومة وشركات الإنشاءات.
كما يسود القلق بين سكان بكين إزاء ضخامة بعض المشاريع التجارية والسكنية التي تحل محل أحياء بأكملها خلال أشهر قليلة، مع عدم تخصيص الوقت الكافي لمناقشة مسألة التعويضات أو إعادة التسكين أو أي حقوق إيواء أخرى لسكان هذه الأحياء. وعلى الرغم من أن التغيير الهائل الذي شهدته بكين في مظهرها أو مبانيها خلال الخمسة والعشرين عاماً الأخيرة لا يعد الثورة الأولى من نوعها في العاصمة الصينية حتى في العصر الشيوعي ، فإنه بلا شك الأكثر عمقاً وتأثيراً بين التغييرات الأخرى. وتشير حكومة مدينة بكين إلى أنه في ستينيات القرن الماضي ، جرى "هدم" معظم جدران مدينة بكين القديمة "لتسهيل حركة المرور ومنح اتساع أكبر للمدينة". وتردد أن ماو أصدر الأمر بإجراء عمليات الهدم آنذاك على الرغم من المعارضة التي واجهها من مسؤولين آخرين في الحزب الشيوعي، وجرى استغلال الأراضي التي كانت الجدران القديمة مشيدة فوقها لإنشاء أول خط لمترو الانفاق في بكين. كما اختفى من بكين خلال العشرين عاماً الماضية القسم الأكبر من شبكة الأزقة الضيقة التي كانت تقطع العاصمة الصينية بطولها وعرضها بطريقة مذهلة لتربط بين المنازل التقليدية ذات الأفنية. وتحولت بكين إلى عاصمة كبيرة مترامية الأطراف يقطنها 15 مليون نسمة ، شاملة مناطقها الريفية النائية. وتقول هيئة السياحة الصينية "إن بكين تزدهر الآن بصفتها العاصمة السياسية والثقافية للصين ، كما أنها مركز للنشاط الدولي ".
وبدأت قصة بكين كلها من "إنسان بكين" ، وهو عبارة عن جمجمة متحجرة لإنسان ما قبل التاريخ عثر عليها في ضاحية تشوكوديان ببكين ، ويعتقد أنه عاش في هذا المكان قبل 500 ألف عام.وثمة دلائل كثيرة على وجود مستوطنات بشرية في بكين يرجع تاريخها إلى نحو خمسة آلاف عام ، ويعتقد أن المدينة تم غزوها للمرة الأولى من جانب قبائل تشبه القبائل المغولية أتت من الشمال قبل أكثر من ألفي عام. وظلت بكين مدينة عسكرية وتعرضت لغارات متعاقبة كانت تشنها القبائل الشمالية شبه البدوية حتى أنشأت أسرة جورتشين الحاكمة عاصمة هناك تحت اسم تشونجدو في عام 1153 . وبعد مرور 62 عاما فقط، احتلت القبائل المغولية بقيادة قوبلاي خان ، حفيد جنكيز خان ، بكين وجعلت منها عاصمة لحكم أسرة يوان في عام 1271.
وأدخل المغول تغييرات وتوسعات كبيرة على بكين ، حيث أنشأوا شبكة الأزقة الضيقة المفروشة بالحصى. وأطاحت سلالة مينج الحاكمة بالمغول في عام 1368 وأطلقت اسم بكين على المدينة للمرة الأولى في عام 1421 .وظلت بكين عاصمة للصين خلال حكم أسرة تشينج فيما بين عامي 1644 و1911، ولم تخسر بكين مكانتها هذه سوى لفترة وجيزة أثناء الاحتلال الياباني للبلاد إبان الحرب العالمية الثانية. ومنذ عام 1949 شهد ميدان تيانانمين ، الذي كان في فترة ما يفصل القصر الإمبراطوري عن القسم الذي يضم مساكن عامة الشعب في بكين باتجاه الجنوب ، العديد من الأحداث المهمة. فقد حيا نحو مليون جندي من الجيش الأحمر ماو في هذا الميدان خلال الثورة الثقافية.وكانت المواكب العسكرية السنوية تُقام في هذا الميدان ومناطق أخرى من وسط بكين حتى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي.
الثلاثاء يوليو 29, 2008 2:01 am
